الريع السكني تحت قبة البرلمان: السكن الوظيفي وممارسات المحسوبية (الجزء الأول)
الأنوال نيوز: ربيع الكرعي
في الآونة الأخيرة، انتعش النقاش داخل جدران البرلمان حول قضايا الريع السكني أو ما يُعرَف بالسكن الوظيفي. تساؤلاتٌ مُلحّة اُثيرت حول الكيفية التي يُدار بها هذا النوع من الإسكان، خصوصاً ضمن بعض المديريات التابعة لوزارة التربية الوطنية. الاتهامات التي طُرحت في ساحة البرلمان تشير إلى وجود ممارسات محسوبية وزبونية تحكم توزيع هذه السكنيات، والمزيد من الممارسات التي تخرق قوانينها المنظمة. المعلومات المتداولة تُظهر صورة قاتمة، حيث يتم توريث هذه السكنات لأبناء وأقرباء الموظفين، واستغلالها استغلالاً غير مشروع كإقامات سياحية أو ثانوية. بعض الموظفين يتنقلون للعمل في مديريات أخرى، أو حتى جهات أخرى، محتفظين بمساكنهم الأولى لأغراض قد تتعدى الإجازات والراحة إلى استعمالات قد ترقى لتكون سوء استغلال للمال العام.
الحالات التي تُشار إليها تُبين أن السكنات لا تُوزَّع بناء على الاستحقاق المهني الأخلاقي، بل تترك أحياناً للأصدقاء والمعارف، وهو ما يُشكّل خرقاً صارخاً للقانون المنظم لهذه المساكن. أضف إلى ذلك سلوك بعض الموظفين الذين يحتفظون بمنازلهم الخاصة للاستثمار في الكراء، وهم يقطنون في المساكن الوظيفية، ما يُعدّ استغلالاً للموارد العامة التي كان يجب أن توجَّه لمن هم أحقّ بها.
ومن الاستغلال غير القانوني للسكن الوظيفي ما يقع كذلك في المديرية الإقليمية للتعليم بنسليمان والتي تمتد جذورها عبر عدة مديريات أخرى – تُسلط الضوء على ثغرات قانونية وإدارية يُمكن أن تمهد الطريق لممارسات التلاعب والاستغلال اللاقانوني. المشكلة ليست في نقص التشريعات بقدر ما هي في ضعف تطبيق القانون ومتابعة تنفيذه في تساهل من طرف المسؤولين وغض البصر عن البعض. إن السكنيات الوظيفية، بوصفها منفعة مقدمة لموظفين بعينهم لغايات تسهيل أداء عملهم، يجب أن تُخضع لمسطرة قانونية صارمة تحدد معايير استحقاقها وفق نظام واضح ومعلن يضمن المساواة والشفافية.
ومع ذلك، يُعاني النظام الحالي من الثغرات، التي أتاحت لبعض الموظفين استغلال هذه المنافع غير المستحقة أو توريثها بصورة مخالفة للقوانين المنصوص عليها. لمواجهة هذه الإشكالية، من الضروري اتخاذ خطوات جادة نحو تحريك المساطر القانونية للتحقيق في هذه الممارسات ومن ثم محاسبة المتجاوزين. يجب على الجهات الرقابية أن تكون أكثر حزماً ويقظة، ويُفترض بها فتح تحقيقات دقيقة للتقصي حول الادعاءات وتفعيل القوانين الجزائية ضد من تُثبت إدانتهم. إن استمرار هذه العمليات يُعد نوعاً من استغلال الموارد العامة ويعكس الحاجة الماسة لإصلاحات جوهرية في النظام الإداري برمّته. يُطرح اليوم أكثر من أي وقت مضى السؤال عن دور الأجهزة الحكومية والقضائية في استعادة الثقة وضمان نزاهة التعامل مع الموارد العامة. (يتبع)
أوكي..