بيان فشل السياسات الصحية في سوس ماسة يؤجج الاحتجاجات ويوسع دائرة الغضب
الأنوال نيوز
في وقت ترفع فيه الشعارات حول العدالة المجالية والنموذج التنموي الجديد، تعيش جهة سوس ماسة مأساة شاهدة على التناقض الصارخ بين غنى الموارد وفقر السياسات، بين الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تزخر بها المنطقة، والتهميش التنموي البنيوي الذي تعانيه منذ عقود. فهذه الجهة التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وتسهم في الناتج الداخلي الإجمالي الوطني بـ 6,6 % بفضل فلاحتها وصيدها البحري وسياحتها ومواردها الطبيعية والبشرية، لا تزال خارج خرائط الأولوية لدى صناع القرار، محرومة من أبسط شروط العيش الكريم، وعلى رأسها الحق في الصحة، الذي كفلته القوانين الوطنية، والمواثيق الدولية، والدستور المغربي نفسه.
أمام هذا الواقع الأليم، لا عجب أن تشهد مدينة أكادير، عاصمة الجهة، حراكا شعبيا متصاعدا يعبرعن الغضب العارم في صفوف ساكنة سوس، التي ضاقت ذرعا بما تعيشه من تردٍّ حاد في الخدمات الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بالصحة والتعليم والسكن والنقل، وهي القطاعات التي لا يُتصورأي مشروع تنموي حقيقي دون إصلاح جذري لها. إلا أن ما يعيشه القطاع الصحي في الجهة من اختلالات بنيوية لا يمكن وصفه إلا بكونه انهيارا ممنهجا، يُنتج يوميا معاناة إنسانية صامتة، ويؤكد بالملموس أن الدولة لا تزال تعامل حق المواطنين في الرعاية الصحية على أنه امتياز يُمنح وسلعة تُشترى، لا كحق أصيل وغير قابل للتصرف تكفله المبادئ الدستورية والإنسانية.
إن مستشفى الحسن الثاني بأكادير، الذي يفترض أن يشكل مؤسسة صحية جهوية للإنقاذ والعلاج، تحول بفعل الإهمال وسوء التسيير والتدبير إلى رمز للانتظار واليأس؛ خصاص مهول في الموارد البشرية، أطباء التخصص نادرون أو غائبون، الأجهزة الحيوية معطلة، بنية استقبال قليلة، وضعف خطير في التجهيزات، خصوصا بالمركب الجراحي وقسم الولادة، والذي يشهد يوميا حالات حرجة تواجه بنقص الإمكانيات، فتُترك أرواح النساء وأجنتهن عرضة للإهمال والموت. أما المرضى، فيقضون ساعات طويلة على الأسرة أو حتى على الأرض في انتظار لا جدوى منه، غالبا ما ينتهي بتدهور حالتهم أو بترحيلهم إلى مستشفيات تبعد مئات الكيلومترات.
والأدهى من ذلك، وفي استخفاف صارخ بصحة المواطنين، أن المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير، الذي كان مقررا افتتاحه في شهر أبريل 2024، والذي جرى الترويج له كرافعة نوعية للعرض الصحي بالجهة وركيزة أساسية في تكوين طلبة كلية الطب، لا يزال مغلقا، وأبوابه موصدة في وجه المرضى، في مشهد يجسد العبث والفشل الذريع في الالتزام بالوعود الرسمية وبالحق الدستوري في الصحة. ورغم انتهاء أشغال بنائه وتجهيزه منذ أزيد من سنتين، بقي مقفلا، بل تم فتحه بشكل صوري لاستقبال وفد "الفيفا" خلال زيارته التفقدية للمدينة، ثم أعيد إغلاقه فورا، في دلالة واضحة على حجم الاستهتار الرسمي بحقوق الساكنة، وعلى أن حياة المواطن في جهة سوس ماسة لا تحظى بأولوية حقيقية ضمن أجندات القرار العمومي.
هذا الوضع لا يمكن عزله عن الخريطة الصحية غير المتوازنة التي تشهدها الجهة، حيث تحتكر عمالتا أكادير وإنزكان ما يقارب نصف عدد المراكز الصحية، في حين تعاني الأقاليم الأخرى من شبه فراغ مهول في العرض الصحي. ويكفي أن نشير إلى أن معدل التأطير الطبي في الجهة لا يتجاوز طبيبا واحدا لكل 2000 مواطن باحتساب أطباء القطاع العام والخاص، كما تحرم بعض المناطق النائية بالجهة كليا من وجود طبيب رئيسي، وذلك مقارنة بمعدل وطني لا يتجاوز طبيبا واحدا لكل 1200 نسمة، وهو بدوره لا يزال بعيدا عن معيار منظمة الصحة العالمية، التي توصي بطبيب واحد لكل 600 نسمة كحد أدنى لضمان تغطية صحية جيدة. وهو ما يعني أن آلاف الأسر تحرم فعليا من العلاج المنتظم، وتضطر إلى اللجوء إما إلى المصحات الخاصة التي تبتز المواطن وتستنزف جيبه، أو إلى الانتقال نحو مدن بعيدة بحثا عن العلاج، في رحلات يتداخل فيها المرض بالتعب وبالإذلال والحكرة.
علاوة على أن القطاع الخاص الصحي في الجهة بات يحتكر أكثر من 80% من التخصصات الطبية، ولا يخضع لمراقبة حقيقية، حيث تتحول الأمراض إلى فرصة للربح، ومعاناة المرضى إلى رصيد مالي تتقاسمه المصحات ومختبرات التحليلات ومراكز الفحص، في غياب تدخل الدولة لضبط الأسعار وجودة الخدمات، وحماية المواطنين من لوبيات الاستغلال والاحتكار.
إن ما يحدث في جهة سوس ماسة ليس مجرد اختلال عرضي في التسيير، بل هو وجه من أوجه التهميش التنموي المتراكم الذي يمارس على مناطق الهامش، ويجعل من بعض الجهات "مواطنين من الدرجة الثانية" في وطن واحد. ولا يمكن تبرير هذا الإهمال المتواصل إلا بغياب الإرادة السياسية الجادة، واستمرار التعامل مع صحة الإنسان باعتبارها تكلفة مالية، لا استثمارا في الكرامة والتنمية.
وأمام هذه الصورة القاتمة المؤسفة، فإننا في الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بأكادير، إذ نندد بالقمع المخزني الذي طال المئات من المواطنين السلميين المطالبين بحقهم الأساسي في الصحة يوم الأحد 14 شتنبر 2025 أمام المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير، نعبر عن قلقنا العميق حيال ما آلت إليه الأوضاع الصحية في جهة سوس ماسة، ونؤكد رفضنا التام لاستمرار هذه السياسات المتعاقبة الفاشلة في مجال الصحة وغيرها من المجالات. كما نعبر عن تضامننا المطلق مع ساكنة الجهة في مطالبهم المشروعة وحقهم الأصيل في قطاع صحي عادل، ذي جودة وفعالية وإنسانية، ونطالب الجهات الوصية بـــ:
_ رد الاعتبار لجهة سوس ماسة وتحقيق العدالة المجالية بين مختلف مناطقها، وتمكين ساكنتها من حقوقها الأساسية.
_ التسريع بفتح المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير، وتمكينه من القيام بأدواره العلاجية والتكوينية.
_اعتماد خطة استعجالية لدعم العرض الصحي بالجهة، من خلال إحداث مراكز جديدة، وتجهيز المؤسسات القائمة بما تحتاجه من موارد مادية وبشرية.
_ تحسين ظروف وشروط عمل الأطر الصحية وإنصافها بما يخدم جودة وكفاءة المنظومة الصحية.
_ المطالبة بفتح تحقيق جاد وشفاف بشأن الارتفاع المهول لحالات الوفاة المتكررة خلال فترة وجيزة وبشكل مقلق بمستشفى الحسن الثاني، مع ضرورة تحديد المسؤوليات والمحاسبة الفعلية للمتورطين في هذه الفاجعة.
_ضبط أسعار وخدمات المصحات الخاصة، وإخضاعها لرقابة حقيقية تضمن للمواطن العلاج بكرامة وجودة وعدالة.
إننا نؤمن بأن الكرامة لا تتجزأ، وأن حق الصحة ليس منة من أحد، بل حق أساسي يجب أن تبنى عليه كل السياسات العمومية. وجهة سوس ماسة رافعة اقتصادية وثقافية حقيقية للوطن، تستحق أن تكون في صلب مشروع وطني تنموي عادل وشامل، يُنصف الإنسان المغربي، ويعيد الاعتبار لما يسمى ظلما المغرب غير النافع.
الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان

بمناسبة باليوم العالمي للتطوع المركز المغربي للتطوع والمواطنة ومؤسسة هانس زايدل يتوجان الفائزين بالجائزة الوطنية للتطوع النسخة الثاني
تنصيب السيد محمد التاج رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمالة القنيطرة
الفاهم يفهم/ الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد … بل في العقل حين يعجز عن الارتقاء
السيد مولاي إبراهيم العثماني يشرف على إعطاء الانطلاقة لأشغال تهيئة مركز أمل سوس أكادير التابع للتعاضدية العامة بمدينة أكادير
أوكي..