وثيقة : "رأي قطاع التعليم العالي لجماعة العدل والإحسان في مشروع القانون 24.59 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي"
الأنوال نيوز
جماعة العدل والإحسان قطاع التعليم العالي القطاع النقابي رأي قطاع التعليم العالي في مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي
عناصر الورقة
ديباجة؛
1- المشروع المقترح والمنطلق الخاطئ منهجية ومقاربة؛
2- المشروع المقترح بين تجزيئ الإصلاح وشموليته؛
3- النص القانوني المقترح: عيب في الشكل، وضرب لمكتسبات وتناقض في المضمون؛
4- مقترحات في المداخل الصحيحة لمراجعة القانون المنظم للتعليم العالي؛
خاتمة.
ديباجة :
لقد كان ورش التربية والتعليم، وسيظل، ورشا بالغ الأهمية، وأولوية قصوى عند كل الأمم التي تقود العالم أوتحلم بقيادته، أو على الأقل تسعى ليكون لها وضع اعتباري بين الأغيار، وتزداد أهمية هذا الورش كلما أطلت الأزمات الكبرى برأسها، كما هو الشأن في وباء كوفيد 19 الذي عاشته البشرية في السنين الأخيرة، وأكد للعالم أن
أولوية الأولويات هي التعليم والبحث العلمي.
ولا نحتاج أن نؤكد أن أمتنا الإسلامية في عهود مجدها كانت راعية للعلم مهتمة بالتربية والتعليم، وما انقلب الاهتمام إلى إهمال إلا بالأثافي الثلاث: الاستعمار، ولازميه: الاستبداد والتغريب. فالاستكبار العالمي رائد الاستعمارسعى، ويسعى، جاهدا لتأبيد تخلف الأمم الضعيفة، وعلى رأسها الأمة الإسلامية، قصد التحكم فيها واستغلال خيراتها واستمالة كفاءاتها في إطار هجرة الأدمغة.
والاستبداد، ومعه النخبة المغربة التي تعاني من الهزيمة النفسية وتعيش على الاستلاب، تم توظيفهما في تخريب ما تبقى من أطلال التعليم، بعد أن وقعت الأمة فريسة بين مخالب نحلة الغالب التي فرضت تقسيم تركة الرجل المريض، ومن القسمة الضيزى قطع التعليم عن جذور هويته، ثم التنادي بعد ذلك لإصلاحه من خلال لجان
كلما جاءت واحدة لعنت أختها، حتى أصبنا بالتخمة في خطاب الإصلاح، دون أن يكون لذلك أثر في واقع مجتمع التعليم العالي. ولعل من مظاهر ذلك واقع التخلف الذي يعيشه التعليم بالمغرب بشهادة التقارير الرسمية قبل الدولية، وهو ما يكون في الغالب دافعا لإعلان الانطلاق في مسلسل إصلاحي جديد لا يعدو أن يكون مناوشة لأعراض المرض دون فحص لأسبابه العميقة. فتأتي الوصفة ناقصة كنية صاحبها، ويدور تعليمنا المظلوم، ومنه التعليم العالي في دائرة مفرغة، فيختزل الأمر في ضرورة تعاقد جديد يختصر في الغالب في مراجعة المقاربة القانونية، على ما
وقع فيها من تراخ حيث امتد القانون الحالي 00-01 من 19 ماي سنة 2000 إلى الآن، فنقع في تجزيئ الإصلاح تكون نتيجته اجترار الفشل إلى أن تأتي لحظة أخرى نفتح فيها النقاش من جديد.
وفي هذا السياق تأتي هذا الوثيقة لتسائل مشروع القانون 24-59 المتعلق بالتعليم العالي في أمور جوهرية من قبيل : ما المنهجية التي اعتمدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في إعداد مشروع القانون؟ وهل تعديل القانون المنظم للتعليم العالي وحده، دون ربط ذلك بمراجعة لوازمه المتعلقة بما هو بيداغوجي وبتحسين وضعية الأستاذ الباحث، كفيل بتحقيق الإصلاح المنشود؟ وهل النص المقترح تحكمه فلسفة تشريعية منسجمة أم أن مواده بينها تناقض يبرز ارتباك الجهة التي سطرت بنوده؟ وما مقترحاتنا التي نراها تشكل المداخل الصحيحة التي تؤسس لمراجعة سليمة للقانون المنظم للتعليم العالي؟
أولا: المشروع المقترح والمنطلق الخاطئ منهجية ومقاربة:
1- غياب تقييم القانون الحالي 00.01 :
منطلق كل إصلاح هو تقييم وتقويم ما كان معتمدا قبله، والحال أن مشروع القانون المقترح 24-59 خالف هذه القاعدة البديهية، إذ لم يبن هذا المشروع على أي تقييم للقانون الحالي 00-01 لا من حيث بنيته، ولا من حيث مضمونه، ولا من حيث الفلسفة التي تحكمت في تشريعه، ولا من حيث المخالفات التي شابت تطبيق بنوده على أرض الواقع، وهو ما يطرح سؤال وضوح الرؤية على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار التي اقترحت المشروع.
2- اعتماد المقاربة الأحادية في المسار التشريعي لمشروع القانون وإقصاء الشركاء:
إن مشروع القانون 24-59 بحكم ارتباطه بورش استراتيجي، ورش التعليم العالي، يفترض فيه أن يخضع لنقاش مجتمعي يشارك فيه كل الفاعلين دون إقصاء، فضلا عن الشركاء من مكونات منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي مقدمتهم النقابة الوطنية للتعليم العالي، باعتبارها النقابة الأكثر تمثيلا للأساتذة الباحثين، التي يلزم
إشراكها مع منطلق التأسيس لفكرة تعديل القانون الحالي 00-01 ، لكن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكارسارت على النقيض من ذلك، حيث سلكت منهجية فوقية إقصائية انفرادية في صياغة المشروع وإحالته بتسرع على المسطرة التشريعية، رغم وعودها بعرضه للمناقشة مع النقابة قبل ذلك.
وبالمناسبة، فقد أصدر قطاع التعليم العالي لجماعة العدل والإحسان بلاغا بتاريخ 25 غشت 2025 أي قبل عرض المشروع للمصادقة على مجلس الحكومة يوم 28 غشت 2025، يحتج فيه القطاع على هذه المنهجية، ويطالب بسحب المشروع والرجوع إلى منهجية الإشراك بعرضه على النقابة الوطنية للتعليم العالي. وهنا نذكر
ببعض المعطيات شهادة للتاريخ: لقد انتخب المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي يوم 17 نونبر 2024،ومنذ ذلك التاريخ لم يتم استقبال المكتب الوطني من طرف وزير التعليم العالي إلا في 12 ماي 2025، وحينها لم يخبر المكتب الوطني بأنه منكب على إعداد مشروع قانون جديد ينظم التعليم العالي، وفي الاجتماع الثاني الذي عقد بتاريخ 24 يوليوز 2025، الذي جاء بعد احتجاج المكتب الوطني على التدبير الأحادي للوزارة الوصية لمجمل قضايا التعليم العالي من خلال حديث الوزير في الإعلام دون إشراك النقابة، حينها وعد الوزير بتفعيل المقاربة التشاركية، لكنه سرعان ما أخل بها، إذ عرض مشروع القانون 24-59، في العطلة الصيفية، على أنظار المجلس الحكومي الذي صادق عليه بتاريخ: 28 غشت 2025، وهو ما دعا المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي إلى الاجتماع يوم 29 غشت 2025 ليندد بالمقاربة الفوقية للوزارة، ويقرر تشكيلجبهة مجتمعية للدفاع عن التعليم
العالي العمومي، وفي نفس الوقت يدعو لانعقاد اللجنة الإدارية لتحديد الخطة المناسبة للتعامل مع هذا الإقصاء الممنهج في نص تشريعي قد يحكم التعليم العالي لعقود، مما قد ينعكس سلبا على مؤسسات التعليم العالي، بل على مستقبل الأجيال.
3- فرصة مطالبة اللجنة الإدارية بتجميد المشروع إلى حين التداول مع النقابة الوطنية للتعليم العالي إشارة
لم تلتقطها الوزارة ولا الحكومة:
بعد احتجاج المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي على المصادقة على مشروع القانون 24-59 في مجلس الحكومة دون إشراك النقابة، وما لحق ذلك من سيل من الإدانات والتنديدات من طرف كل مكونات الجامعة ومؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة أساتذة وطلبة وموظفين عبر القنوات النقابية بمختلف مستوياتها وطنيا
وجهويا ومحليا، وكذا من خلال بلاغات وبيانات قطاعات التعليم العالي التابعة لمكونات للنقابة الوطنية للتعليم العالي.
في خضم هذا الحراك، عقدت اللجنة الإدارية اجتماعها بتاريخ: 14 شتنبر 2025، ومما خرجت به من قرارات: دعوتها الحكومة لتجميد مشروع القانون إلى حين أخذ رأي النقابة الوطنية للتعليم العالي في الموضوع،باعتبارها الشريك الأكثر تمثيلا للأساتذة الباحثين.
إن الدعوة لانعقاد اللجنة الإدارية دفع الوزارة الوصية لتوجيه دعوة للمكتب الوطني من أجل استئناف الحوار، وهو ما تم بعد يومين من اجتماع اللجنة الإدارية أي يوم 16 شتنبر 2025 من خلال اجتماع الوزارة مع المكتب الوطني ممثلا بالكاتب الوطني ونوابه، حيث تم التنديد بالمقاربة الانفرادية للوزارة على عكس ما وعدت به سواء فيما يتعلق بدفتر الضوابط البيداغوجية أو ما يتعلق بمشروع القانون المنظم للتعليم العالي أو في التلكؤ في الاستجابة للمطالب المشروعة للسيدات والسادة الأساتذة، ومن آكد ما أبلغ به الوفد النقابي الوزير في هذا الاجتماع: قرار اللجنة
الإدارية الداعي لتجميد مشروع القانون إلى حين تفعيل المقاربة التشاركية مع النقابة، لكن المؤسف أن الوزارة،ومعها الحكومة، عوض أن تحكم العقل وتحتكم للمنطق، وتنصت للمقترحات والنداءات المعبر عنها في بلاغات وبيانات كل مكونات التعليم العالي، تمادت في عنادها وقامت بعرض المشروع، في غمار كل هذه الاحتجاجات، على المسار التشريعي من خلال إحالته على البرلمان بتاريخ: 23 شتنبر 2025، ليحال في اليوم الموالي (24 شتنبر2025) على لجنة التعليم والثقافة والاتصال في البرلمان.
كل هذا المسار يثبت بما لا يدع مجالا للشك غياب إرادة حقيقية للنهوض بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، والوفاء لاعتماد مقاربة تجزيئية وسطحية لا يمكنها بأي حال من الأحوال معالجة الإشكالية الحقيقية الكبرى للمنظومة، اللهم الوقوع في شراك إملاءات وتوصيات المؤسسات المالية الدولية المانحة ومن خلفها قوى الاستكبار
العالمي.
ثانيا: المشروع المقترح بين تجزيئ الإصلاح وشموليته:
إن المطلب الأصيل الذي تنادي به كل مكونات التعليم العالي هو الإصلاح الشمولي، بما يعنيه من تكريم لقطب الرحى داخل المنظومة أي الأستاذ(ة) الباحث(ة)، مرورا بالإصلاح البيداغوجي وما يتطلبه من هندسة بيداغوجية متجددة، وما يلحقه من تعزيز لقدرات الطلبة على البحث والابتكار، مع اعتماد آليات واضحة للتقييم المستمر وفق
مؤشرات واضحة، وتشجيع للبحث العلمي، وتأهيل للفضاءات المساعدة على كل ذلك، وصولا إلى تعديل القانون المنظم للتعليم العالي بما يبين التنظيم العام لمؤسسات التعليم العالي، وحقوق وواجبات كل مكوناتها. لكن أن تعمد الوزارة، وبشكل انفرادي، لتعديل القانون بمعزل عن لوازمه ومقتضياته من خلال: التنزيل الأحادي لدفتر الضوابط
البيداغوجية، ناهيك عن التلكؤ في الاستجابة للمطالب المشروعة للأساتذة، بل السعي لضرب مكتسبات جاءت بها اتفاقات مع الحكومة الحالية نفسها، كاتفاق 20 أكتوبر 2022، أو التراجع عن التزامات وردت في شأنها بلاغات مشتركة مع الوزارة الوصية نفسها، مثل ما وقع مع مطلب رفع الاستثناء عن الدكتوراه الفرنسية...كل هذا وغيره يؤكد أن ما تقوم به الوزارة ومعها الحكومة لا يعدو أن يكون إصلاحا تجزيئيا يروم مزيدا من الضبط والتحكم من خلال مشروع القانون المقترح في مخالفة صريحة لما تعيشه الأمم التي تحترم نفسها: من بسط للحرية الأكاديمية،وتوسيع لاستقلالية مؤسسات التعليم العالي، وتجويد مستمر لحكامتها، وتحفيز للموارد البشرية، وتشجيع للبحث العلمي، وتأهيل لفضاءات مؤسسات التعليم العالي بشكل يراعي حرمة مرتفقيها ويبرز مكانة البحث العلمي وقيمته.
ثالثا: النص القانوني المقترح: عيب في الشكل، وضرب لمكتسبات وتناقض في المضمون:
1- العيب الشكلي:
سنقتصر على أربع ملاحظات أساسية:
أولها تغييب ديباجة مؤطرة للمشروع أو ما عرف في القانون الحالي 00-01 ب مبادئ وأهداف، وما يمثله ذلك من قفز على اختيارات مجتمعية ضابطة لوجهة التعليم العالي بالمغرب، يتعلق الأمر بشكل خاص بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها، وتكافؤ الفرص بين المواطنين، واحترام مبادئ حقوق الإنسان، ومواصلة تطوير التدريس باللغة العربية...
ثانيها حصر مرجعية هذا المشروع في القانون الإطار17-51 الذي كان بدوره محط جدل وخلاف بين مكونات المجتمع الفاعلة، بل كان محل رفض من قبل بعضها، وكلنا يتذكر ظروف التحكم التي ساهمت في تمريره ليصبح قانونا، فهل يعقل أن يكون مرجعا، بله أن يكون المرجع الوحيد لمشروع القانون 24-59؟
ثالثها توسيع التعليم العالي ليشمل فروعا لمؤسسات أجنبية، وهو ما يطرح سؤال السيادة في مجال التعليم العالي في واقع عالمي يفرض فيه المتغلب شروطه على المغلوب.
رابعها تخص مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة، إذ تم تبخيس وضعها لتصبح مجرد مؤسسات قطاعية ناهيك لما في ذلك من إقرار للبلقنة.
2- في مضمون النص المقترح: ضرب لمكتسبات وتناقض في الفلسفة التشريعية:
أ-الإجهاز على مكتسبات سابقة:
السحب الضمني لصلاحيات مجلس الجامعة:
يعد مجلس الجامعة بنية جامعة ومحورية، إذ يمثل فيه الأساتذة الباحثون والإداريون والطلبة والنقابة، لذلك نص القانون الحالي 00-01 في مادته 11 على ما يلي: يتمتع مجلس الجامعة بجميع السلطات والصلاحيات اللازمة لإدارة الجامعة، فأية سلطات وأية صلاحيات ستبقى لمجلس الجامعة في ظل مشروع القانون المقترح الذي خول لمجلس آخر وهو مجلس الأمناء في المادة 46 إبداء الرأي في مشروع استراتيجية تطوير الجامعة قبل المصادقة عليها من قبل مجلس الجامعة، ليصبح له دور الموجه، بل الرقيب على مجلس الجامعة لأن المادة 47 من مشروع
القانون 24-59 تعطي الحق لرئيس مجلس الأمناء أن يرفع تقريرا سنويا حول أداء الجامعة إلى رئيس الحكومة،بل تعطيه الحق في أن تكون له توصيات في هذا الشأن، بل الأنكى من ذلك أن رئيس مجلس الأمناء له الحق، وفق نفس المادة من المشروع، أن يطلب من رئيس الجامعة مذكرة توضيحية حول مدى اعتماد الآراء والتوصيات
الصادرة عن المجلس (المقصود مجلس الأمناء)، ومبررات عدم الأخذ بها عند الاقتضاء؟
تقليص عدد الأساتذة في مجلس الجامعة:
من يراجع القانون الحالي 00-01 سيجد أن عدد أساتذة التعليم العالي المنتخبين في مجلس الجامعة ورد في المادة 9 كما يلي:يدير كل جامعة مجلس يتألف من: ...ثلاث ممثلين منتخبين من لدن ومن بين الأساتذة الباحثين عن
كل مؤسسة جامعية مع مراعاة تمثيلية مختلف فئات هيئات الأساتذة...، لكن هذا العدد من الأساتذة الباحثين الممثلين لزملائهم داخل مجلس الجامعة سيتم تقليصه وفق ما هو مقترح في مشروع القانون، إذ تنص المادة 30 منه على مايلي: يتألف مجلس الجامعة من: ...أستاذ باحث عن كل مؤسسة جامعية تابعة للجامعة منتخب من لدن ومن بين الأساتذة الباحثين المزاولين مهامهم بالمؤسسة الجامعية المعنية ... فهل الوصفة المناسبة لترشيد عدد أعضاء مجلس الجامعة هو تقليص عدد الأساتذة الذين هم عماد الجامعة في مقابل إغراقه بمن لا تربطهم صلة لا بتعليم ولا بتأطير
ولا ببحث علمي؟
ضرب مبدإ المجانية والإخلال بتكافؤ الفرص:
ينص المشروع المقترح على اعتماد ما سمي ب التوقيت الميسر فقد جاء في المادة 2:...كل تكوين تنظمه مؤسسة للتعليم العالي في إطار مسلك معتمد من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، يلقن في التوقيت العادي أو التوقيت لميسر...، والتوقيت الميسر توقيت مؤدى عنه، وتزيد خطورته عند ربطه بالتكوين الأساس كما جاء في
المادة 81: لمؤسسات التعليم العالي أن تنظم تكوينات مؤدى عنها في إطار التكوين الأساسي الملقن في توقيت ميسر والتكوين المستمر. تنظم التكوينات الأساسية المعتمدة، في إطار التوقيت الميسر، لفائدة العاملين بالقطاعين العام والخاص وكل الأشخاص الراغبين في ذلك؛ وفي هذا ضرب لمبدإ مجانية التعليم وإخلال بتكافؤ الفرص في المؤسسات العمومية، مما يعتبر تناقضا صارخا حتى مع ما جاء في القانون الإطار الذي اعتبره مهندسو المشروع المرجع في هذا التعديل، حيث تنص المادة 2 منه على الإنصاف وتكافؤ الفرص ب ضمان الحق في الولوج المعمم
إلى مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بنفس مواصفات الجودة والنجاعة، دون
أي شكل من أشكال التمييز.
التراجع عن اتفاقات سابقة مع الحكومة، خاصة بالنسبة لمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة والتي
سماها المشروع مؤسسات قطاعية:
من مقتضيات استمرار المرفق العمومي هو التزام الحكومات بالاتفاقات السابقة مع كل الشركاء، فكيف إذا كان الاتفاق مع نفس الحكومة وتحت إشراف رئيسها، يتعلق الأمر باتفاق 20 أكتوبر 2022 الذي وقعته النقابة الوطنية للتعليم العالي مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة الاقتصاد والمالية، الذي تحدث في محوره
الأول عن: تعزيز آليات الحكامة على مستوى مؤسسات التعليم العالي، التي ورد في شأنها في النقطة الثانية: توحيد وتجويد مسطرة الترشيح والتعيين في مناصب المسؤولية بمؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر العليا، لكن ما جاء
به مشروع القانون 24-59 يلغي ذلك إذ ينص في المادة 57 على ما يلي: يسير المؤسسة القطاعية مدير لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، يختار بعد إعلان مفتوح للترشيحات من بين المترشحات والمترشحين المتوفرين على المستوى العلمي والكفايات والتجربة المهنية اللازمة لتسيير المؤسسة... فأين نحن من توحيد وتجويد مسطرة الترشيح والتعيين في غياب التنصيص على أن يكون المترشح أستاذا باحثا؟
ب-التناقض في فلسفة التشريع المؤطرة لمشروع القانون:
الحديث عن الاستقلالية وتشريع عكسها (أي الوصاية):
رغم التنصيص في المادة 4 ضمن التوجهات العامة المتعلقة بالسياسات العمومية المتبعة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي على تعزيز وضمان استقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى في إطار تعاقدي مع الدولة ، إلا أن إحداث مجلس للأمناء بتركيبته المقترحة التي تجعل جل أعضائه معينين، ناهيك عن التغييب التام لتمثيلية مكون أساسي وهم الطلبة ( انظر مكونات مجلس الأمناء في المادة 42)، والصلاحيات المخولة له في الضبط والرقابة والمواكبة والوصاية كما هو وارد في المادة 47، كل ذلك يتناقض مع هذا التنصيص، ويضرب في العمق
استقلالية الجامعة وحريتها الأكاديمية ، ويكرس السمة السلطوية والتحكمية للدولة، كما يؤدي بالضمن إلى التراجع عن خيار اللامركزية، وما يرتبط بها من إقرار للديموقراطية والإشراك والعدالة المجالية، فضلا عن كون المشروع يؤسس لازدواجية الصلاحيات، بل لتنازع الاختصاصات، بين مجلس الأمناء ومجلس الجامعة، كما هو الحال في بلورة الجانبين لاستراتيجية تطوير الجامعة (المادتين: 35 و 46).
الحديث عن الحكامة والتشريع للتحكم:
رغم تخصيص الباب الرابع في مشروع القانون للحديث عن حكامة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، إلا أن التمعن بروية في هذا المشروع يجعلك تقتنع أن منطوق النص المقترح بعيد كل البعد عن الحكامة بما هي جودة في الإدارة والتدبير وكفاءة عالية في تحقيق الأهداف المسطرة، إذ كيف يستقيم الأمر في ظل الحجر وفرض الوصاية على مجلس من حجم مجلس الجامعة؟ وكيف يتمكن مجلس من قبيل مجلس الأمناء من بلورة استراتيجية تطوير الجامعة وجل أعضائه لا علاقة لهم بالجامعة؟ وهل تلتقي الحكامة مع الإقصاء إذ تم تغييب ممثلي الطلبة قسرا؟ وكيف
تتأتى الحكامة في مؤسسات التعليم العالي والحال أن المسؤوليات فيها، كما هو في مشروع القانون، تسند بالتعيين لابالانتخاب، وكلنا يعلم أن الذي يمنح يمكن أن يمنع؟ وأين الإرادة الحرة للمجتمع العالم إذا كان لا يسمح له، حسب النص المقترح، أن يختار الرجل المناسب للمكان المناسب؟
شروط الترشيح للمسؤولية ومدة الانتداب بين التوسيع والتضييق:
يكفي أن نتأمل الشروط المطلوبة في ثلاث مسؤوليات لنكتشف حجم التناقض في مشروع القانون موضوع الدراسة والتحليل، إذ نجد في المادة 50 المتعلقة برئيس المؤسسة أنه يختار من بين أساتذة التعليم العالي، جاء في النص:يسير المؤسسات الجامعية ...عمداء بالنسبة للكليات ومديرون بالنسبة للمدارس والمعاهد، يختارون بعد إعلان مفتوح للترشيحات من بين أساتذة التعليم العالي... ؛ في حين نجد المادة 34 المتعلقة برئيس الجامعة لا تشترط فيه حتى أن يكون أستاذا باحثا:...يختار رئيس الجامعة بعد إعلان مفتوح للترشيحات من بين المترشحات والمترشحين المتوفرين على المستوى العلمي والكفايات والتجربة المهنية اللازمة لتسيير الجامعة...؛ والأمر نفسه يكرر مع رئيس مجلس الأمناء، إذ ورد في المادة 43 ما يلي: يرأس مجلس الأمناء شخصية من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة العلمية وبخبرتها في التدبير العمومي....
أما ما يتعلق بمدة الانتداب، فالارتباك فيها لا يختلف عما سبق، إذ نجد أن رئيس المؤسسة يسيرها لمدة أربع
سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة كما جاء في المادة 50، والأمر نفسه بالنسبة لرئيس الجامعة إذ يسيرها لمدة أربع
سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة كما هو مذكور في المادة 34، أما رئيس مجلس الأمناء فيرأس المجلس لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرتين كما نصت على ذلك المادة 43 من المشروع. وهنا يطرح السؤال عن دواعي هذا
التباين: هل الأمر خلفه فلسفة لم يتكرم واضع المشروع ببسطها، أم هو الريع في أسوإ حلله التشريعية يهيئ من الآن
نفسه ليكونمن الشخصيات المشهود لها بالكفاءة العلمية وبخبرتها في التدبير العمومي؟
5- القفز على اختيارات كبرى وتوسيع دائرة التوجس:
تكريس البلقنة في التعليم العالي وضرب مبدإ التوحيد:
عند مراجعة القانون الحالي المنظم للتعليم العالي 00-01 نجد أن المادة 2 تنص بوضوح على أن التعليم العالي منه ما يدرس بالجامعات، ومنه ما يدرس بمؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة، وفي آخر مادة من مواده أي المادة 100 التي تدخل ضمن أحكام ختامية وانتقالية يدعو إلى تجميع مختلف مكونات التعليم لما بعد البكالوريا وأجهزته المتفرقة حاليا وتحقيق تنسيق وثيق بينها على صعيد كل جهة، لكن المؤسف هو أنه عوض استثمار لحظة المراجعة القانونية للاستدراك والتجويد وتفعيل توصية: توحيد التعليم العالي بعد البكالوريا وجعله تابعا للجامعة، كما
نصت على ذلك وثائق رسمية تعتبرها الدولة مرجعا محوريا كالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي أكد في مادته 78 على ضرورة تجميع مختلف مكونات التعليم العالي بعد البكالوريا، وكالقانون الإطار الذي نص في المادة 12 على ضرورة إعادة هيكلة التعليم العالي من خلال تجميع مختلف مكوناته لما بعد البكالوريا على أساس الانسجام
والتكامل والفعالية وفق مخطط متعدد السنوات متشاور بشأنه بين جميع الفاعلين، يتم تنفيذه بصفة تدريجية، ووفق برمجة زمنية محددة.
فعوض تفعيل الالتزامات الواردة في هذه الوثائق الرسمية، والاستجابة بالضمن للنداءات المتكررة للنقابة الوطنية للتعليم العالي بتوحيد جميع مؤسسات التعليم العالي، لجأ مشروع القانون 24-59 إلى تكريس مزيد من البلقنة والتشتيت للمنظومة، وعمل في العمق على ضرب مبدأ التوحيد والتجميع عند تفصيله لأصناف مؤسسات التعليم
العالي والبحث العلمي حيث نجد في المادة 7:تتكون مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من: مؤسسات تابعة للقطاع العام منتظمة في شكل جامعات عمومية أو قطاعية للتعليم العالي أو مؤسسات البحث العلمي العمومية؛ مؤسسات تابعة للقطاع الخاص؛ مؤسسات التعليم العالي غير الربحية ذات النفع العام؛ مؤسسات رقمية للتعليم العالي.
ويمكن الترخيص بفتح فروع لمؤسسات أجنبية للتعليم العالي وفق التشريع الجاري به العمل، ناهيك عن مؤسسات للتعليم العالي لا يسري عليها هذا القانون كما توضح ذلك المادة 109 التي تقضي بأنه:لا تسري أحكام هذا القانون على جامعة القرويين وجامعة الأخوين والمؤسسات العسكرية للتعليم العالي ومؤسسات التكوين المهني التي تظل خاضعة للنصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بها.
إخلاف الوعد بدعم البحث العلمي:
الوعد بدعم البحث العلمي تردد صداه لأكثر من ربع قرن حيث نجد أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين حث على ذلك على سبيل التعيين إذ نجد المادة 128 وبكل جزم وحسم تقضي على أنه: يتعين الرفع تدريجيا من الإمكانات العمومية والخاصة المرصودة للبحث العلمي والتقني كي تبلغ في نهاية العشرية 1% على الأقل من الناتج الداخلي الخام، أما الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 ففصلت التدرج المطلوب حيث نجد في الرافعة 14: على مستوى تمويل البحث العلمي: الرفع التدريجي من نسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة لتمويل البحث العلمي، لكي
ترقى إلى نسبة 1% في المدى القريب، 1.5% في 2025، و2% سنة 2030، رفع أقوام ممن خطوا هذا التقدير إلى الدار الآخرة ولحق بهم آخرون، وما رفع شيء من تمويل البحث العلمي، ومشروع القانون المطروح على طاولة
التشريع بالرغم من تخصيصه الباب التاسع للبحث العلمي، إلا أنه وبعد كل هذه السنين العجاف، يتحدث بلغة الطموح والتمني لا بلغة الأجرأة والتنفيذ، حيث نجد المادة 104 تقضي بأن: تتخذ الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات
العمومية والخاصة التدابير اللازمة من أجل تنويع وتعزيز مصادر تمويل البحث العلمي ، ولا ندري متى ستتخذ تلك التدابير، وأنى للأساتذة الباحثين أن يصدقوا هذا الخطاب والحكومات المتعاقبة لم تستجب لما هو أدنى من ذلك، حيث طالبتها النقابة بتحفيز الأساتذة الباحثين من خلال إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة، فما كان منها إلا التلكؤوالتسويف!؟
مشروع القانون محاولة لترسيم فلسفة كل ما من شأنه:عمدت الجهة المقترحة للمشروع إلى ترسيم مؤسسات كانت تشتغل في الظل، وفي كثير من المناسبات كانت
تقوم مقام هياكل منتخبة الشيء الذي كان يدفع البنيات البيداغوجية والنقابية للاحتجاج ، يتعلق الأمر بمنتدى رؤساء الجامعات وشبكات رؤساء المؤسسات الجامعية التي تم التنصيص عليها في المادة 70 من هذا المشروع ضمن ما سمي ب آليات التنسيق والتشاور، مؤسسات كانت تصادر اختصاصات غيرها وهي غيرمنصوص عليها، فكيف سيكون الأمر وقد تم ترسيمها، وإن كان المشروع قد انتبه إلى التوجس تجاهها فقيد سلطتها بحصرها في التنسيق وإبداء الرأي بصفة استشارية، وهو ما جاء واضحا في المادة 72 :يساهم منتدى رؤساء الجامعات، بصفة استشارية، في تنسيق المبادرات البيداغوجية والبحثية بين الجامعات وإبداء الرأي في السياسات
والبرامج المتعلقة بالتعليم العالي والبحث العلمي وتتبع تنزيلها ومناقشة القضايا الآنية وكذا اقتراح حلول مشتركة بشأنها، والمادة 73: تناط بشبكة رؤساء المؤسسات الجامعية الخاصة بكل حقل معرفي، مهمة إبداء الرأي في القضايا البيداغوجية المتعلقة باختصاصها، وتقديم أي توصية من شأنها الرفع من أداء المؤسسات المعنية، فرغم
محاولة الطمأنة هذه إلا أن تراكم التجارب يثبت أن الهوة سحيقة بين النص والممارسة، ويزداد التوجس عندما نجد مشروع القانون يفوض كيفيات سير هاتين المؤسستين لنظام داخلي لكل مؤسسة هي التي تصادق عليه بنفسها!؟
وإذا افترضنا منطق الجهة المقترحة للمشروع سليما، فلماذا لم تقترح هيكلة شبكات الشعب!؟
يمتد هذا التوجس إلى مكون آخر من مكونات الجامعة، يتعلق الأمر بالطلبة الرأسمال البشري الحاسم لمعادلة المستقبل أن نكون أو لا نكون لذا فكل تضييق على الطلبة أو تقييد لحريتهم أو مضايقة لحركتهم خاصة في أبعادها الأكاديمية أو الثقافية أو النقابية، هو تبديد غير مسؤول لهذا الرأسمال، وجناية على مستقبل البلد، فالمشروع المقترح
ينص في الباب الثامن على حقوق الطلبة وواجباتهم، وضمن الواجبات الواردة في المادة 89 نقرأ:يجب على الطلبة التقيد بما يلي:...ضوابط الحياة الجامعية كما هي منصوص عليها في الأنظمة الداخلية للجامعات ومؤسساتها ومؤسسات التعليم العالي الأخرى...، وهنا نجد اللغة القانونية المستعملة في النص صارمة تبدأ بالوجوب وتمر عبرالقيود وتنتهي بالضوابط، والسؤال المطروح هل يتم الإشراك الحقيقي للطلبة عند وضع ضوابط الحياة الجامعية ولحظة صياغة الأنظمة الداخلية للجامعات ومؤسساتها ومؤسسات التعليم العالي الأخرى !؟
امتيازات للتعليم العالي الخاص صناعة لمجتمعين تحت سقف واحد:
منح مشروع القانون 24-59 المؤسسات الخاصة للتعليم العالي امتيازات تخل بالتوازن النسبي المطلوب مع التعليم العالي العمومي، وذلك من خلال إحداث هذه المؤسسات الخاصة بمبادرة من شخص اعتباري خاضع للقانون الخاص كما جاء في المادة 17 وقد تتخذ هذه المؤسسات الخاصة شكل جامعات كما ورد في المادة 18 بينما تحدث الجامعات العمومية بقانون حسب ما جاء في المادة 9:تحدث الجامعات العمومية بقانون طبقا لأحكام الفصل 71 من الدستور، وكذا من خلال اعتبار الترخيص الممنوح لهذه المؤسسات من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي
اعترافا من قبل الدولة بالتكوين المقدم من طرف المؤسسة في إطار التكوين الأساسي، والذي يتجاوز المعادلة إلى التتويج بشهادات وطنية (المادة 20)، وفي هذه الحالة ستصبح الشواهد الوطنية مرتبطة بمنطق السوق، وهو ما سيصيب الجامعة العمومية في مقتل، ويضرب تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب بإحداث فروق مجالية واجتماعية تجعل المجتمع يسير بسرعتين يكون لهما الأثر السلبي على تجانسه واستقراره.
الشراكة مع القطاع الخاص تدليس يشرعن لتبديد المال العام:
إن مشروع القانون 24-59 يقدم شكلا آخر من أشكال الامتياز للقطاع الخاص، لكن في صورة ناعمة هي الشراكة عام/ خاص، حيث يمنحه ربحا خالصا دون اي التزامات تجاه المنظومة، إذ نجد المادة 39 وهي تتحدث عن ميزانية الجامعة تذكر في باب النفقات;المساهمة في رأسمال مؤسسات تنمية التكوين والبحث والابتكار
المنصوص عليها في المادة 41 أدناه، وعند مطالعة المادة 41 نجدها تنص على أنه يمكن للجامعات أن تساهم في رأسمال مقاولات خاصة وفق التشريع الجاري به العمل... مشترطة فقط النسبة لا يمكن أن تقل مساهمة الجامعة في رأسمال أي مؤسسة لتنمية التكوين والبحث والابتكار عن نسبة 34 % ; (نفس المادة 41)، دون أي حديث عن شروط أو دفاتر تحملات أو تدقيق في موضوع التسيير والحكامة، أو الإشارة إلى أي نص تنظيمي يضبط العلاقة.
فالارتكاز على الشراكة والتعاون وتعاضد الموارد بين القطاعين العام والخاص في التعليم العالي، دون التأكيد على ضرورة الالتزام المشترك، هو تدليس يشرعن لتبديد المال العام لكونه يسمح للقطاع الخاص بالاستفادة من موارد الدولة وفق منطق: رابح/ خاسر، وليس المنطق السوي: رابح/ رابح. ومن أوجه هذا التدليس إمكانية انضمام مؤسسات التعليم العالي الخاص لأقطاب تحدثها الجامعات العمومية كما صرحت بذلك المادة 13 من مشروع القانون:
يمكن للجامعات العمومية أن تشكل أقطابا جامعية، ولباقي مؤسسات التعليم العالي أن تنضم إليه، فهذه الصيغة التشاركية تمكن مؤسسات التعليم العالي الخاصة من استغلال موارد وتجهيزات الجامعة العمومية دون مقابل.
في ذات السياق، نجد المادة 6 تتحدث، في موضوعالشراكة في البحث العلمي بين مؤسسات التعليم العالي والمقاولات، عن تعزيز الشراكة في مجالات تثمين نتائج البحث العلمي ونقل التكنولوجيا والابتكار وليس الإسهام في تمويل البحث العلمي في المؤسسات العمومية! والملاحظة نفسها تسجل في نفس المادة 6 عند الحديث عن:
إشراك الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في إعداد التكوينات وتلقينها والإشراف عليها دون أن يتم تحديد الشروط التي تؤطر هذا الإشراك في الجامعة العمومية ولا التزامات هؤلاء الفاعلين التي تسهم في إنجاح هذه التكوينات.
الموارد البشرية بمؤسسات التعليم العالي وغموض الوضعية النظامية للأساتذة الباحثين:
إن التأمل العابر لمشروع القانون 24-59 قد يجعل القارئ مستبشرا بحذف المادة 17 من القانون الحالي 00-01 والتي كانت محط رفض واحتجاج من قبل الأساتذة الباحثين لكونها تصنفهم ضمن مستخدمي الجامعات، لكن حذف هذه المادة المشؤومة في المشروع المقترح لم يعالج الداء في أصله، بل أبقى على الغموض في الوضعية النظامية للأساتذة الباحثين، إذ نجد المادة 84 من هذا المشروع تنص على ما يلي: تتألف الموارد البشرية العاملة بمؤسسات التعليم العالي التابعة للقطاع العام من الأساتذة الباحثين المحددة وضعيتهم النظامية وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وتتوفر الجامعات على موظفين إداريين وتقنيين، يحدد نظامهم الأسا سي بمرسوم، وهنا يطرح السؤال عن استثناء الأساتذة الباحثين من صفة موظفين على غرار الإداريين والتقنيين، هل يحمل الأمر على أن النصوص التشريعية والتنظيمية عند حمل بعضها على بعض تعطيهم هذه الصفة أم أن روح المادة 17 من القانون الحالي مازالت تلاحقهم حتى ولو حذف رسمها؟
رابعا: مقترحات في المداخل الصحيحة لمراجعة القانون المنظم للتعليم العالي:
إذا كان نظام التربية والتعليم، ومنه التعليم العالي، هو العمود الفقري للدولة لأن فيه يتقرر المستقبل، وعلى نتائج غرسه يتوقف مصير كل بلد، فالعناية، إذن، بهذا النظام التربوي التعليمي، وبذل الوسع في إنجاحه، والحفز على المشاركة في أوراشه، والدقة في صياغة القوانين التي تحكمه، ستكون دون شك معادلة نجاح أو تخلف في حياة الأمة.
لذا لا يمكن لمكون وحده أن يدعي امتلاك المداخل الحصرية لمراجعة القانون المنظم للتعليم العالي، وما ينبغي أن يسبق هذه المراجعة وما يلحقها، لذا كنا نحرص أن تصدر مذكرة جامعة عن المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي تستثمر الذكاء الجماعي لكل مكوناته، وقد سعينا لذلك ومازلنا، وفي انتظار تحقق ذلك قدرنا فيقطاع التعليم العالي لجماعة العدل والإحسان أن نسهم من خلال وثيقتنا هذه بمقترحات تؤسس للمداخل الصحيحة للمراجعة القانونية المتعلقة بالتعليم العالي، قياما بالواجب وإبراء للذمة إزاء مشروع قانون نعتبره في صيغته الحالية تهديدا لمستقبل التعليم العالي،. وفي هذا الصدد نقترح:
فتح حوار مجتمعي يحدد الفلسفة التربوية والخيارات الكبرى التي ينبغي أن تعتمد مرجعا لكل مراجعة، ومنها المراجعة القانونية، مع استحضار هوية الأمة والجوانب المشرقة في تاريخها، إذ لا يمكن معرفة التعليم الذي نريد دون أن نعرف طبيعة المجتمع الذي نريد، وربط ذلك كله بإصلاح شامل يكون مدخله القطع مع الفساد والاستبداد،وتحصين ذلك من خلالجبهة مجتمعة تكون الحارس الأمين لهذا الورش.
الانطلاق من تشخيص دقيق وتقييم شامل لتاريخ وواقع التعليم العالي بالمغرب قصد ترصيد الإيجابيات، وتجاوز التحديات والعقبات، مع النفاذ للأسباب العميقة دون الاشتغال بالأعراض.
اعتبار السيادة في مجال التربية والتعليم ضمن الأمن القومي الذي لا يمكن التساهل فيه ولا القبول بالإملاءات الخارجية في شأنه لا من دول ولا من مؤسسات مالية.
تكريم كل مكونات منظومة التربية والتعليم، وخاصة واسطة العقد: نساء ورجال التعليم، مع الحرص على تحسين أوضاعهم بما ينسجم مع هذا التكريم، وتوفير كل الإمكانات التي تساعد في مزيد تأهيلهم وازدياد عطائهم وتيسر انخراطهم في تطوير البحث العلمي.
إشراك كل مكونات التعليم العالي أساتذة وإداريين وطلبة في مناقشة أي مشروع قانون منظم للتعليم العالي،وجعله مقصده آلية لتيسير التعاقد المسؤول وليس للتحكم والضبط، ترافقه حكامة جيدة تصون الحقوق وتلتزم بالواجبات، في جو من الحرية المسؤولة تربط فيها المسؤوليات بالمحاسبة، توخيا لتحقيق نتائج جيدة بنجاعة وفعالية في ورش مصيري في حياة الأمة.
الخاتمة
رأي قطاع التعليم العالي لجماعة العدل والإحسان يخص قضية مصيرية هي قضية تعديل القانون المنظم للتعليم العالي من خلال مشروع القانون المقترح 24-59 الذي تمت المصادقة المتسرعة عليه في المجلس الحكومي في العطلة الصيفية لهذه السنة، وهو معروض الآن على أنظار البرلمان للتداول في شأنه، وكان بودنا أن يعرض على كل مكونات التعليم العالي وتستحضر اقتراحاتها في مشروع النص قبل عرضه على مسطرة المصادقة، لكن والحال على ما هو عليه، نتمنى أن يستدرك الفضلاء والعقلاء ممن هم في المواقع التي تسمح لهم بالاستدراك، وضمنهم النقابة الوطنية للتعليم العالي ومكوناتها، حتى لا نأتي على ما تبقى من حياة في هذا الورش الحساس، وندمر أجيالا كل ذنبهاأن مصيرها كان بيد غيرها.
كما نذكر كل الغيورين والفضلاء أن وثيقتنا هذه لا ندعي لها الكمال، بل هي معروضة للنقاش والتداول والنقد البناء، وسنكون شاكرين مسبقا لكل من سيتكرم بالإسهام في تطويرها.
والحمد لله التي بنعمته تتم الصالحات.
الإثنين 2 جمادى الثانية 1447 الموافق ل 24 نونبر 2025

الرباط تحتضن الدورة الأولى لمهرجان السينما الوثائقية "ربادوك"
العلمي الحروني : من أجل استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية بالمغرب
الرباط تحتضن ندوة دولية حول إخراج ملف الصحراء المغربية من اللجنة الأممية الرابعة في ضوء قرار مجلس الأمن 2797
انطلاق أشغال الدورة العادية الـ 36 للمجلس العلمي الأعلى
أوكي..