قضية المهداوي… قراءة قانونية في اختلالات مسطرة تأديبية تمس حق الدفاع ومبدأ الشرعية التأديبية
الأنوال نيوز خالد خالص
حديث الاثنين
قضية المهداوي… قراءة قانونية في اختلالات مسطرة تأديبية تمس حق الدفاع ومبدأ الشرعية التأديبية
د. خالد خالص
تبرز الوقائع المرتبطة بالمسطرة التأديبية المتخذة في حق الصحافي حميد المهداوي جملة من الاختلالات التي تقتضي التوقف عندها بقراءة قانونية موضوعية، لكونها تمس مبادئ دستورية أصيلة وعلى رأسها: مبدأ البراءة، حق الدفاع، استقلالية الجهة المختصة، الشرعية التأديبية، وضمانات المحاكمة العادلة.
وتفيد المعطيات أن لجنة أخلاقيات المهنة وقضايا التأديب المنبثقة عن اللجنة المؤقتة لتسييرقطاع الصحافة والنشر باشرت إجراءات تأديبية في مواجهة الصحافي بناء على ما نسب إليه من استعمال عبارة " السلكوط/ السلاكط"، وهي واقعة كان يفترض أن تشكل أساسا موضوع النقاش والتحليل والتكييف القانوني خلال المداولة. إلا أن التسجيل المسرب، الممتد لساعتين، يكشف أن هذه العبارة لم تكن مطروحة للنقاش إطلاقا، ولم يبحث الأعضاء في سياقها، ولا في مدلولها، ولا في مدى انطباقها على قواعد أخلاقيات المهنة، وهو ما يشكل إخلالا جوهريا بمبدأ الشرعية التأديبية التي تقتضي ربط كل مؤاخذة بفعل ثابت ومعلل.
كما تظهر الوقائع أن اللجنة اعتمدت قرارا مسبقا بالمؤاخذة دون مناقشة موضوعية للفعل المنسوب، بما يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة في المجال التأديبي، ومع إلزامية تسبيب القرارات تسبيبا قانونيا وواقعيا.
ويسجل كذلك اتخاذ قرار بمنع ستة محامين من مؤازرة المعني بالأمر، ومطالبة اللجنة من الصحفي بالاكتفاء بمحام واحد فقط، يعد مسا صريحا بحق الدفاع المنصوص عليه دستوريا، إضافة إلى استدراج وعزل الصحافي للاستماع إليه في غياب محاميه، بينما كانت هيئة الدفاع تنتظر خارج القاعة للمناداة عليها، ما يشكل خرقا لطبيعة الحضور القانوني الواجب أثناء الجلسة التأديبية.
وتشير المقاطع المسربة إلى أن اللجنة لجأت أولا الى تسجيل الجلسة وكذا تسجيل المداولة دون إخبار الصحفي المتابع من جهة والى إلى تقنية اتصال عن بعد شبيهة بـ"الزوم"، حيث ظل أعضاء اللجنة طيلة المداولات على اتصال مباشر بشخص خارجي عديم الصفة، يقدم توجيهات أو مشورات وهو ما يمس مبدأ سرية المداولات، وحياد الجهة التأديبية، ويعرض المسطرة للبطلان بسبب تدخل طرف أجنبي عن الهيئة المختصة في إجراءات التحقيق وفي قرار التأديب.
كما يلاحظ حضور ومشاركة رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر أثناء المداولة رغم كونه جهة استئنافية للطعن في قرارات لجنة التأديب، (وهو الذي قال في حوار سابق أنه لا علاقة له بلجنة التأديب) مما يمثل تداخلا في الاختصاصات يمس بضمانات الحياد. وتضاف إلى ذلك مشاركة أشخاص آخرين ليست لهم صفة قانونية في الحضور مثل مصور الشريط، وبقاء الكاتبة داخل جلسة الاختلاء للمداولة وهي جلسة ينبغي أن يقتصر الحضور فيها على الأعضاء أصحاب الصفة فقط، وهو خرق إضافي للسرية القانونية.
أما الخطاب المتداول من قبل أعضاء لجنة الأخلاقيات داخل المداولة، فيكشف عن استعمال تعبيرات غير مهنية وغير أخلاقية في حق الصحفي المتابع ( الزا....، إيش..إيش، غيز ليه، اتشيطين، غادي نتبع دين مو فالمحكمة..) وفي حق هيئة دفاعه (المحاميين لمصديين، نجفف بيهم الاض، بوعنق...) وهو سلوك يشكل اعتداء على الصحفي وعلى المحامين بل وعلى مهنة الدفاع، ويمس بمكانتها الدستورية باعتبارها شريكا في تحقيق العدالة، ويعد من مظاهر الانحراف في استعمال السلطة التأديبية.
وتكشف أجزاء أخرى من التسجيل عن مناقشة مسائل خارجة عن نطاق التأديب المهني، من قبيل التلويح بالتدخل لدى القضاء أو التأثير على الدعم العمومي، أو التواصل مع مؤسسات دستورية بهدف الضغط على القضاة (un petit mot à Abdo Nabawi)، وهي كلها عناصر تؤكد وجود خلط جوهري بين ما هو تأديبي وبين اعتبارات سياسية أو إدارية لا صلة لها بموضوع المسطرة.
إن مجموع هذه الاختلالات (وغيرها كثير) التي شابت القرار القاضي بسحب بطاقة الصحافة لحميد المهدوي لمدة سنة كاملة - من غياب مبدأ البراءة وغياب المناقشة الموضوعية للفعل المنسوب، وحرمان الدفاع من حقوقه، وتدخل أطراف غير مختصة، وغياب السرية، وتجاوز الاختصاص، ومحاولة التأثير على استقلال القضاء وانحراف المداولة عن موضوعها، يمثل عيوبا مسطرية وموضوعية جوهرية تفقد القرار التأديبي شروط المشروعية، وتستوجب قانونا الحكم بإلغائه وبعد التصدي القول والحكم ببطلانه من قبل القضاء الاداري.
وفي ضوء ما كشفه التسجيل المسرب، فإن فتح تحقيق مستقل وجدي لم يعد خيارا، بل ضرورة قانونية ملحة؛ ذلك أن استجلاء حقيقة ما جرى، وتحديد المسؤوليات، وتفعيل الجزاءات القانونية والتنظيمية في حق كل من يثبت تورطه في الخروقات، وإعادة الاعتبار لمبادئ الشرعية والحياد وضمانات الدفاع واستقلال القضاء، كلها عناصر أساسية لعدم تكرار مثل هذه الانزلاقات مستقبلا.
فحماية حرية الصحافة لا تنفصل عن حماية المحاماة، ولا يمكن بناء ثقة حقيقية في المؤسسات المهنية دون احترام صارم للقانون والأخلاق. وتغدو قضية المهداوي في هذا السياق اختبارا لمصداقية هاته المؤسسات وقدرتها على حماية الصحافيين… وحماية من يتولى الدفاع عنهم ومن يفصل بينهم في الآن ذاته. كما يصبح من ثم لزاما على المؤسسات والهيئات التي طاولتها هذه الواقعة -وفي مقدمتها المجلس الأعلى للسلطة القضائية والهيئات السبعة عشر للمحامين بالمغرب-أن تبادر إلى ردة فعل مسؤولة تعيد الأمور إلى نصابها وتسهم في تصحيح المسار.
ملحوظة:
"غيز ليه " في الدارجة العامية المغربية عبارة "سوقية" تأتي غالبا بصوت غاضب أو تهديدي لكي تبين شدة الموقف؛ وتفيد هنا "شدد عليه العقوبة"، "تخلص منه".."عدمو".. وهو ما يبرز مدى التحامل وغياب حياد واستقلال أعضاء اللجنة التأديبية ...

العلمي الحروني : من أجل استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية بالمغرب
الرباط تحتضن ندوة دولية حول إخراج ملف الصحراء المغربية من اللجنة الأممية الرابعة في ضوء قرار مجلس الأمن 2797
انطلاق أشغال الدورة العادية الـ 36 للمجلس العلمي الأعلى
القناة الثانية تكشف عن برمجتها الخاصة لمواكبة كأس أمم إفريقيا المغرب 2025
أوكي..