من أجل استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية بالمغرب
الأنوال نيوز : العلمي الحروني – قيادي يساري
من أجل استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية بالمغرب.
الحلقة الثانية: العدالة الانتقالية وضحايا تجاوزات قوانين مكافحة الإرهاب
ملف ضحايا تجاوزات قوانين مكافحة الإرهاب شديد الحساسية، لكنه فتحه ضروري لاستكمال مسار العدالة في بلادنا، يتعلق الأمر بالمواطنين الذين وجدوا أنفسهم في منطقة رمادية ، بين ضرورة حماية الوطن من التهديدات الحقيقية، وبين سوء استعمال السلطة الذي قد يتحول إلى مصدر لانتهاكات لا تقل خطورة عن الإرهاب نفسه.
ليس الحديث عن هذا الموضوع ترفا سياسيا، ولا نشازا في سياق أمني معقد، فهو واجب أخلاقي وإنساني وقانوني، وشرط من شروط بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. فالعدالة لا يجب أن تستثني فئة من أبنائها، أو تعاملهم باعتبارهم مجرد "خسائر جانبية".
الأمر يتوخى عدالة انتقالية منتجة للسلم الاجتماعي في المغرب وضرورة تحصين أولوياتها وتعزيزها باعتبارها، إن توفرت القناعة الجماعية، بوابة للمستقبل، ومساهمة أولية في نسج آليات عملية لممارسة العدالة الانتقالية بالمغرب.
فما هو السياق الدولي لقوانين الإرهاب كمشجب كابح للعدالة الانتقالية؟
بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1991 وبروز القطب الأمريكي الواحد، أعادت الولايات المتحدة ترتيب النظام الدولي وفق أولوياتها الاستراتيجية. ومنذ ذلك الحين، أصبح موضوع مكافحة الإرهاب جزءا من منظومة النفوذ الأمريكي. لكن يجب التمييز بين ثلاث مراحل تمثل مراحل الضغط الناعم لأمريكا، ثم التحول إلى الإملاء المباشر، وأخيرا فرض قوانين مكافحة الارهاب:
1-مرحلة ما قبل 2001: الضغط الناعم لأمريكا وليس الإملاء المباشر
في التسعينيات، لم تكن "الحرب على الإرهاب" قد تحوّلت بعد إلى عقيدة كوكبية. رغم ذلك، مارست واشنطن تأثيرا واضحًا على دول مرتبطة بها سياسيًا وأمنيًا (المغرب، مصر، الأردن، تونس وباقي الدول التابعة للغرب الامبريالي…) عبر:
1-برامج التعاون الأمني والاستخباراتي
2-"شروط مكافحة التطرف" في المساعدات الأمريكية
3-إدراج بعض الجماعات ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية
4-تشجيع الدول على تكييف تشريعاتها لمراقبة الحركات الإسلامية بعد صعودها في سياق ما بعد الحرب الأفغانية.
لكن هذا كان يتم غالبًا عبر ضغط سياسي و“توجيه” وليس عبر فرض تشريعات محدّدة.
2-بعد 11 سبتمبر 2001: التحول إلى الإملاء المباشر
هذه هي اللحظة المفصلية.
بعد هجمات 2001، فرضت الولايات المتحدة عقيدة أمنية كونية مبنية على:
-مكافحة الإرهاب كأولوية عالمية
-استصدار قوانين وطنية تسهّل الاعتقال، التجريم، والمراقبة
-توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية والاستخبارات
-سن قوانين لتجريم التمويل غير الخاضع للرقابة
-التنسيق الأمني العالمي وبالوكالة تحت شعار "الحرب على الإرهاب"
خلال هذه الفترة، دخلت دول عديدة - من بينها المغرب ومصر والأردن - في موجة تشريعية متزامنة:
في المغرب: صدر قانون الإرهاب سنة 2003 بعد أحداث الدار البيضاء، لكنه جاء في سياق ضغوط دولية وتوجه أمريكي عالمي.
في مصر: تم تعديل قانون الطوارئ عدة مرات، ثم سن قوانين مكافحة الإرهاب بضغط من واشنطن تحت مبرر “محاربة التطرف العابر للحدود”.
في الأردن: صدر قانون منع الإرهاب سنة 2001 ثم 2006 نتيجة التقاء الرغبة الداخلية مع الإرادة الأمريكية.
3 - هل قوانين الإرهاب داخلية أم مفروضة؟
صياغة القوانين كانت محلية، لكن المنطق الذي بُنيت عليه كان غربيا بالكامل ولا سيما أمام هشاشة المؤسسات التشريعية:
- التوسيع تعريف إرهاب
-إلغاء ضمانات المحاكمة العادلة
-تمديد الحراسة النظرية
-مراقبة التمويل والجمعيات
-تجريم التعبير المرتبط بالمعارضة السياسية
خلاصة القول أن :
1- مرحلة القطب الواحد جعلت الولايات المتحدة تحدد “ما يجب فعله” عالميًا في مجال الأمن.
2 - الدول الحليفة تبنّت قوانين مكافحة الإرهاب ضمن منطق تبعية استراتيجية.
3- الإصلاحات الأمنية في المغرب ومصر والأردن جاءت في سياق إملاء دولي أكثر من كونها مبادرات داخلية خالصة.
هكذا، فرضت الولايات المتحدة العقيدة، وضبطت الأهداف، بينما قامت الأنظمة بصياغة القوانين بما يخدم أيضا مصالحها الداخلية في ضبط المجتمع والمعارضة.
( يتبع في الحلقة الثالثة حول موضوع " المآزق الواقعية لتطور العدالة الانتقالية بالمغرب وببلدان الجنوب في المرحلة الراهنة)

من أجل استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية بالمغرب الحلقة (3)
مأساة مدينة آسفي.. مؤسسة الفقيه التطواني تتضامن
الندوة الدولية:“التهجير القسري للمغاربة من الجزائر: ذاكرة الانتهاك وواجب الإنصاف”
بيان المنظمة الديمقراطية للشغل حول فرض رسوم التسجيل بسلك الماستر في نظام "الوقت الميسر"
أوكي..