حين تتكلم الشعوب قبل السياسة: متلازمة « خاوة–خاوة »
الأنوال نيوز: بقلم سيدي محمد العايدي الإدريسي محلل سياسي
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش سنة 1999، وقبل ذلك في عهد جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، ظلّ الموقف المغربي ثابتًا في دعوته إلى الحكمة وضبط النفس، وإلى عدم قطع الرحم بين شعبين تجمعهما روابط أعمق من كل الخلافات السياسية الظرفية. فالمغرب والجزائر ليسا مجرد دولتين متجاورتين، بل عائلتان متصاهرتين بالتاريخ والجغرافيا والدم والمصيرالمشترك، إضافة إلى وحدة اقتصادية طبيعية لا يمكن تجاهل منطقها إلى الأبد.
في هذا السياق، تبرز ما يمكن تسميته بـ « متلازمة خاوة–خاوة »؛ وهي حالة وجدانية جماعية تتجدّد كلما حاولت السياسة دفع الشعوب نحو القطيعة، فتردّ الذاكرة الشعبية بإصرار صامت على الأخوّة. ليست هذه المتلازمة شعارًا عاطفيًا عابرًا، بل حقيقة اجتماعية راسخة، تظهر في التضامن العفوي، وفي تفاصيل الحياة اليومية، وفي المواقف الإنسانية التي تتجاوز الخطاب الرسمي.
لقد أثبت المغرب، خلال العقود الأخيرة، وبشهادة القريب والبعيد، أنه أصبح قوة اقتصادية إقليمية صاعدة، بنموذج تنموي يقوم على الاستقرار والانفتاح وبناء الشراكات. وهي معادلة معقّدة لا يمكن التعامل معها بمنطق الأوامر أو التصعيد، بل بحلول سياسية شجاعة، تراعي منطق الجغرافيا ومصالح الشعوب، لا حسابات اللحظة.
ورغم كل التعقيدات، ظلّت اليد المغربية ممدودة دون شروط، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن المستقبل لا يُبنى بالقطيعة، بل بالتكامل.
فالحلول المفروضة لا تدوم، أما الحلول المتوافق عليها فتصنع الاستقرار.
وقد جاءت كرة القدم، في لحظة صادقة وبسيطة، لتربك الحسابات السياسية الضيقة. فحب الجزائريين للمغرب، وتشجيع المغاربة للجزائر في الملاعب والشوارع، كشف أن الوجدان الشعبي سبق السياسة، وأن ما يجمع الشعبين أعمق من كل خطاب تعبوي. هنا تتجلّى « خاوة–خاوة » كقوة ناعمة حقيقية، لا تُصنَع في الغرف المغلقة، بل تولد في الشارع، وتكبر في الذاكرة.
واليوم، ونحن على بُعد سنتين فقط من سنة 2028، تبرز فرصة رمزية وتاريخية لإحياء الذكرى السبعين لنداء طنجة لسنة 1958،
ذلك النداء الذي عبّر، في زمانه، عن بعد نظر استثنائي لدى مؤسسي مشروع المغرب العربي، حين أدركوا أن وحدة الشعوب هي الأساس الصلب لكل بناء سياسي أو اقتصادي مشترك. 70 سنة ضاعت من إمكانيات اقتصادات كبيرة، في الوقت الذي كانت فيه معاهدات السوق الأوروبية – بروما 1957 – تُحدث تحوّلًا في مستوى الحياة المعيشية للدول الأوروبية.
بعد تعثّر المسارات الرسمية، يبدو أن المجتمع المدني، والنخب الثقافية، والجماهير الرياضية، مدعوون لتحمل المسؤولية التاريخية، التي كافح من أجلها الشعبان لتحرير الجزائر، وإعادة بعث روح طنجة، من خلال الدبلوماسية الرياضية والفكرية، والفعاليات الشعبية بين البلدين، في خدمة مستقبل مغاربي مشترك. والمغرب يدعم كل مبادرات الوحدة.
حين تعجز السياسة عن التقدّم، تتكفّل الذاكرة الجماعية بفتح الطريق.
وحين تصمت الحدود، يتكلّم الشعبان بلغة واحدة: خاوة–خاوة

النقابة الوطنية للتعليم تطالب بتجاوز منطق التسويف وترفض قانون التعليم المدرسي
الحلقة الثالثة: النسوية المعاصرة هل هي أزمة الطبقة الوسطى أم بطريركية؟
التنظيم أولاً: لجنة أكادير تضع احترام الطاقة الاستيعابية والتذكرة القانونية شرطاً لإنجاح كان 2025
أوكي..