ما بين يسارالصراع المتجدد ويسارالتبرير ..نقد أطروحة عبد الصمد بلكبير
الأنوال نيوز :بقلم:العلمي الحروني منسق تياراليسارالجديد المتجدد من داخل الحزب الاشتراكي الموحد
تقدم أطروحة عبد الصمد بلكبير قراءة "استراتيجية" للتحولات الدولية وانعكاسها على المغرب والمغارب، خصوصا في ما يتعلق بقضية الصحراء الغربية المغربية ليخلص إلى حتمية صعود ما يسمى بالنخب الفرنكوفونية في الانتخابات المقبلة لسنة 2026، وعلى رأسها حزب الأحرار والبام. غير أن هذه القراءة، رغم كثافة إحالاتها الجيوسياسية، تخفي في عمقها تحولا فكريا ليسراويين انتقلوا من يسار نقدي إلى يسار تبريري، ومن منطق الصراع التاريخي إلى منطق التكيف مع موازين القوى القائمة.
تنطلق الأطروحة من فرضية مفادها أن حسم ملف الصحراء يفتح مرحلة جديدة عنوانها الانتقال من الصراع إلى التدبير، ومن السياسة إلى الاقتصاد. لكن هذا المنطق يقوم على تصور للتاريخ قريب مما سماه أنطونيو غرامشي بـ "الهيمنة عبر الإجماع"، حيث يتم تقديم وضع قائم بوصفه نهاية طبيعية للصراع، لا نتيجة مؤقتة لتوازن قوى قابل للتغير. في حين أن الصراع لا ينتهي إذ هو فقط يغير أشكاله ليطفو الصراع الاجتماعي والطبقي إلى السطح مباشرة مع خفوت الصراع الجيوسياسي.
وهنا نستحضر نيكوس بولانتزاس صاحب "السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية" الطبعة العربية 1982، الذي أكد أن الدولة ليست أداة محايدة، إذ هي تكثيف لعلاقات قوى طبقية. وعليه، فإن الانتقال من "السيادة الترابية إلى "التنمية" دون مساءلة بنية السلطة والثروة هو انتقال شكلي فقط.
يقدم الأستاذ عبد الصمد بلكبير التحول في الاستراتيجية الأميركية (من الانقلابات والحروب إلى الاقتصاد والدبلوماسية) كتحول إيجابي ناعم أقل كلفة. غير أن هذا الطرح يتجاهل ما سماه سمير أمين بـ "الإمبريالية المعولمة" التي تخضع الدول عبر السوق وتفكك السيادة عبر المديونية وتحويل الديمقراطية إلى واجهة إجرائية.
بهذا المعنى السطحي فإن الهيمنة الناعمة ليست نقيضا للعنف، وإنما شكله المؤجل والأكثر فعالية، لأنها تحول المواطن إلى مستهلك وتستبدل الصراع السياسي بالتنافس الاقتصادي غير المتكافئ، كما أن ما يقدم بوصفه "تقليدا للنموذج الصيني" يتجاهل الفرق الجوهري المتمثل في كون الصين العظيمة استخدمت السوق كأداة بيد الدولة الاشتراكية، بينما يراد لبلدنا ( من طرف بعض النخب) استخدام الدولة كأداة بيد السوق العالمية.
من جانب آخر، حين يقدم صاحبنا الصعود المقبل المتكرر لحزب الأحرار ومن معه من حلفائه من أصحاب الرأسمال الكبير باعتباره نتيجة طبيعية لتحولات عالمية مع تمجيد مكانة فرنسا المستعمرة لبلدنا من 1912 الى 1956 بشكل مباشر ولازالت بثقافتها الكولونيالية سائدة بكل شرايين الإدارة والاقتصاد عبر اتفاقات بعشرات العقود، فإننا أمام ما وصفه بيير بورديو بـ "العنف الرمزي" لتحويل الهيمنة الاجتماعية إلى أمر بديهي، وتقديم الامتياز الطبقي ككفاءة تقنية. بهكذا تحليل يقدم السيد بلكبير قراءة طبقية مغلفة بالواقعية باعتباره للفرنكوفونيون "نخب المرحلة" ضامنة للتبعية وتجديدها. هذه النخب لا تمثل حياد السوق ولا عقلانية التدبير فهي، عوض ذلك، تمثل تحالف المال والسلطة ومنطق الخصخصة الريعية وإقصاء السياسة والثقافة الوطنية باسم "النجاعة".
وفي ما ذهب إليه صاحبنا، وجب تذكيره بأطروحة المؤرخ والاقتصادي وعالم أنتروبولوجيا الاقتصاد النمساوي المجري وعالم اجتماع تاريخي الفيلسوف "كارل بولانيي" بأن إخضاع المجتمع للسوق، بدل إخضاع السوق للمجتمع، هو وصفة مؤكدة للتفكك الاجتماعي.
تتعامل أطروحة السيد بلكبير ومن على شاكلته مع الشعب كفاعل منجز في الماضي وكمعطى جامد في الحاضر، وهي قراءة من فوق المجتمع متعالية عليه وكأنه يعوض شعار " الشعب يريد" بالشعار المزيف " النخبة تريد" وهو إقصاء للمبدأ الخالد " سيادة الشعب" ( النخخخبة هنا كما وصفها د. المهدي المنجرة) نكاية وغيلة. لكن هذا يتناقض مع ما يسميه آلان تورين "الفاعلية الاجتماعية للحركات"، حيث تظهر كبحث جماعي عن معنى وكرامة وعدالة وتمثيل.
وخلافا لما ذهب إليه صاحبنا، فإن الحراك الاجتماعي المغربي (والعالمي أيضا) من 20 فبراير إلى حراك الريف وجرادة وإيميضر ونضالات الشغيلة والأساتذة رجال ونساء الصحة وجيل Z قد رسم طريقة جديدة في النضال الديمقراطي بالمغرب بديلا لـ"نضال" الخنوع، كما ذهب إليه الرفيق الفقيد حكيم اليسار ذ. إبراهيم ياسين". فالحراك لم يمت كما تروج لذلك بعض " النخب" من الطبقة السياسية الخنوعة، وإنما خرج من الوصاية الحزبية وأصبح أكثر راديكالية وتباثا في مطالبه الاجتماعية. وهنا يتجدد درس روزا لوكسمبورغ، إذ بدون حركة جماهيرية حية، تتحول السياسة إلى إدارة تقنية للهيمنة.
هكذا فعبد الصمد بلكبير الذي "كان وأخواتها" ينتمي إلى جيل يساري خاض معارك فكرية حقيقية، لكن جزءا من هذا الجيل انتقل، بفعل الإعياء أو الهزائم، من تفكيك السلطة إلى تبريرها. فيما سماه المناضل القيادي في الانتفاضة الطلابية عام 1968 دانييل بن سعيد "الواقعية الحزينة" واقعية تسلِم بما هو كائن، وتحول الهزيمة إلى حكمة.
نحن في تيار "اليسار الجديد المتجدد" من داخل الحزب الاشتراكي الموحد نرفض هذا المنطق، ونؤكد مع المفكر والفيلسوف الإيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي أن التشاؤم بالعقل والتفاؤل بالإرادة (أو "تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة") ونعمل مع اليساريين المبدئيين على ما نسميه بـ "استعادة السياسة من قبضة السوق وهيمنة الرأسمال"، والممارسة السياسية من ممارسة خنوعة إلى ممارسة سياسية الفاعل الأساسي فيها هو المواطن/ة، "سيادة المواطنين/ات" الذين يبحثون طبعا عن الاستقرار لكن استقرار عادل ودولة المساءلة الشعبية، وعالم يدمج فيه المغرب كفاعل خارج الهيمنة والتبعية. في كل هذا نعتبر الحراك الشعبي شرط وضرورة لأي تحول حقيقي، أما تحويل الهيمنة إلى قدر، والتدبير إلى بديل عن السياسة، فليس تحليلا استراتيجيا، وإنما انعكاس لاستقالة فكرية مموهة بلغة الواقعية.

المنتخب المغربي يهزم زامبيا بثلاثية نظيفة في كأس أمم افريقيا
الحلقة الرابعة: اليسار الجديد المتجدد وقضية المرأة: نحو نسوية متجذرة في المشروع التحرري
خالد السطي يوجه رسالة إلى السيد وزير الداخلية
أوكي..